تعجز الكلمات عن وصف ما يفعله كيسلوفسكي في افلامه من تغلغل في مشاعر الانسان العميقة ، ومن ثم مداعبتها بعنف وتقليبها و احيائها و الرقي في معرفة النفس الانسانية ووجوديتها في هذا الكون .
" فيلم قصير عن الحب " ، هو فعليا ليس بقصير ولكن لأن الحب أمر لا يفسره فلم واحد ولا رواية واحدة فكان الأنسب هو هذا المسمى . فهو فلم قصير عن الحب .
ولكن الفلم للمشاهد المتأمل ، سيجد فيه ضالته ان كان باحثا عن فيلم يتكلم عن الحب ، الحب هنا لم يكن عن شاب وشابة اغوتهما الحياة واشتدت بينهم العاطفة فنرى ذلك المشهد الجنسي الشهواني الذي يؤدي بهما الى علاقة حميمة ترسي بحياتهما الى السعادة ولو لفترة .
الأمر مختلف ..
توميك شخصية كتبت بشكل مناسب جدا ، مختلفة عن باقي الشخصيات التي عهدناها في افلام العلاقات .
توميك يعيش حياته وحيدا ، و كان للوحدة اثر سلبي على حياته فهو قليل التحدث و كما عرفنا من حوارات الفلم ان حياته اما في التعلم او بمراقبة حسنائه الثلاثينة ماجدة .
توميك لا يرى في حياته سوى ماجدة ، لا يريد غيرها ولا يملأ عينيه سواها ، حتى ان والدة صديقه التي يعيش معها دعته الى جواره كي يشاهد معها حفل تتويج ملكة جمال بولندا ولكنه لم يكترث له ومن المفترض ان شاب بعمر التاسع عشر ان يثيره هذا الأمر ولكن هو لا يهمه هنا سوى ماجدة .
و في الحقيقة توميك وماجدة بينهما ترابط وترابط قوي وهو الوحدة ، نعم ماجدة تستضيف يوميا ذلك الرجل الذي ينظر الى ماجدة كجسد مثير ليشبع رغباته فيه ، لكن وحدتها كانت داخليا في اعماق نفسها ووجدانها فهي تخطت الثلاثين و لم تجد الحب الذي نسمع عنه حتى ايقنت انه غير موجود .
ماجدة في بداية الفلم يتضح لنا من المشاهد انها فنانة ، و لكن سرعان ما علمنا ان موهبتها ضائعة ولا تملك سوى جسدها كي تعيش، وهذه قضية انسانية في هذا العالم اللا انساني ، اسقطها كيسلوفسكي في شخصية ماجدة على هذا النحو المتميز الذي شاهدناه في الفيلم .
_
عندما اتت ماجدة الى البريد الذي يعمل فيه توميك متسائلة عن الشيكات التي تصلها دون مصدر للمرة الثانية ويخبرها توميك انه لا يوجد مال لصرفه ( وهو في الحقيقة توميك من كان يضعها في بريدها كي يستطيع لقائها في مكان عمله ) ، طلبت من توميك مناداة المديرة فعندما قدمت غضبت على ماجدة و صاحت عليها بأنها كاذبة وتحاول التحايل علينا لكي تحصل على المال فخرجت باكية ودموعها اثرت في تمويك كونه هو المتسبب الفعلي بها و "هي الى الآن لا تعرف من هو بالظبط توميك الا في مصادفات في الحي نفسه " فلحقها وعندما تجاهلته اخبرها بأنه شاهدها بالأمس تبكي .
فلم يجد حلا لكي يستطيع محادثتها سوى اخبارها بحقيقة مراقبته لها .
بعد سنة كاملة تجرأ توميك ليخبرها ، كان الأمر صعبا جدا على شخصية مثل شخصية توميك ، فهو بالكاد يتحدث فكيف بافصاح عن سر مثل هذا .
_
توميك كان يستخدم طريقة اخرى للقائها وهو في العمل بتوزيع الحليب في الصباح الباكر و بالتالي يعرج على بيتها فيلاقيها .
عمل متعب في وقت مبكر جدا كي يستطيع لقائها ولو ثواني معدودة .
بعد حادثة البريد واخبارها بأنها تراقبه ، انتظرته في الصباح الذي يليه ففاجأته وبدأ بينهما حوار شيق .
تتسائل ماجدة عماذا يريد منها ، هل يريد قبلة ؟ هل يريد ممارسة الحب ؟ فيصر على الجواب بالنفي .
عندما وجهت هذه الأسئلة الى توميك ، اجابها بالنفي رغم ان جوابه قد يكون العكس فهو في الحقيقة وفي داخل وجدانه يريد قبلة ويريد ممارسة الحب ولكنه لا يريد ان تظنه مثل ذلك الشهواني الذي يريد متعة جسدها لا اكثر ، كان يريدها ان تعرف انه يحبها ، ويريدها لأنه يحبها قبل كل شيء .
وقد يكون خائفا ، فهو يحبها ويفهم هذا الشعور ، لكن لا يفهم الجنس ولم يجربه من قبل .
في هذا المشهد المعقد ، توميك كان مرتبكا جدا ، لم يكن متوقعا ان يكون معها في غرفة واحدة ولوحدهما .
المشكلة هي في أن ماجدة مصرة انه لا يوجد ما يسمى بالحب وهو قدم اليها بهذا الدافع .
ثم تغريه حتى ينتهي و تؤكد له " ارأيت .. هذا ما تسميه الحب ( مشيرة الى الشهوة والجنس ) .
وهذا ما كسر قلبه و دمر مشاعره حتى ركض باكيا الى شقته وبدأ بعملية الانتحار .
_
استطاع المستشفى اللحاق قبل موته ، وخرج بعد عدة ايام منها . واصبحت ماجدة مهووسة برجوعه وتنتظره بفارغ الصبر .
الحب بدأ يتولد فيها ، بدأت تشعر بوجوده و بأنه يتخلل بين شرايينها، علمت قوته في ما فعله توميك بنفسه .
وعندما قدمت ماجدة الى شقته ، دخلت الى غرفته فوجدته نائما ويده مربوطة نظر للجرح ومنعتها ام صديق توميك من ازعاجه او امساك يده .
انتقلت لتشاهد البؤرة التي كان توميك يشاهدها منها ، دائما الكرسي والنافذة التي بقي توميك لمدة سنة يتأملها ويشاهد كل ما تفعل .
تشاهد ماجدة البؤرة فتتخيل ذلك اليوم ، يوم بكت وشاهدها توميك .
ان الإنسان لا يستطيع العيش بدون الحب ، بدونه تصبح الحياة داكنة مظلمة ، صعبة العيش .
هذا المشهد قد يكون من اعظم المشاهد التي جسدها مخرج عن الحب واثره النفسي على الانسان واهميته .
هنا مشهد يصور لنا الفراغ الذي يملؤه وجود الحب بين شخص وآخر .
هنا مشهد يصور لنا قوة العاطفة وتجلياتها الايجابية و اهمية وجودها .
هنا مشهد قصير عن الحب ..
__
8.5/10
_
مازلت مبتدئا في الكتابة فلذلك اعذروني على ضعف الكتابة و انعدام الخبرة
، اتمنى انكم وجدتموها مفيدة وممتعة ..