إن اندلاع الحروب لم ولن يكون ذو ربح سديد ولا فرح مستمر ولا كسب مكتمل .
بل على النقيض ، جنود يموتون ، اطفال يشردون و تُنحر برائتهم ، عجائز يرون الموت قبل موعده .
قصص حب في أولها تدمّر، عائلة بسيطة جميلة تتشتّت ، انثى تندثر انوثتها ورقتها .
يبتدأ بنا تارانتينو الفيلم بالكريديت ، المهم هنا هي الموسيقى التي اختارها .
موسيقى هادئة جدا و رائعة تدفع بالمستمع الى انتظار ما سيحدث ، وعند نهايتها يطرح لنا اول جملة في الفيلم كله .
" في زمن مضى ، النازين احتلوا فرنسا .."
جملة نبدأ معها الفيلم تشعرك بهول الفكرة وجبروت النازيين ، بينما لطالما كانت بسيطة عند قرائتها في الكتب او المقالات .
يدخل صيّاد اليهود بهدوء على هذه العائلة الصغيرة وكأنه حمل وديع جاء للزيارة مما يثير قلق صاحب البيت (بيرييه ) أكثر .
فهدوءه وثقته تدل على فطنته ومعرفته بما يحدث حوله ، ولكن قلب بيرييه يصلّي ويتمنى عدم عرفته .
عدم معرفته بأن هناك عائلة يهودية كاملة مختبئة تحت أرجلهم ، تحت اللوح الخشبي للأرضية .
يبدأ الكولونيل جلسته بطلب لبن من البان مزرعتهم اللذيذ بشغف ، كما لو أن هذا هو سبب قدومه .
يبدأ حوارهم بسلاسة وهدوء مخيف ، يستفسر ما يعلم بيرييه عن العائلة اليهودية عائلة درافيس وهي العائلة الوحيدة التي
لم يجدوا لها اثر ولم يعلموا خبرا يقينا عنها .
يحاول بيرييه المرواغه بتعلل بسماع اشاعات فقط ،ويرد عليه الكولونيل :
" انا احب الإشاعات .. الحقائق قد تكون خاطئة ، أما الإشاعات فهي تحتمل الخطا والصواب ، هي دوما تكشف الحقائق "
الرد مربك لبيرييه ، حاول الهرب منه ولكنه توجه الى طريق هو ما يريده الكولونيل أن يذهب اليه .
يرد بيرييه : بأن الاشاعات تقول بهربهم لإسبانيا .
يتسائل الكولونيل عن افراد العائلة ويسأله عنه اساميهم واعمارهم ويدوّنها . هل هو حقا لا يعرف ؟
انها طريقة اخرى لدراسة ردوده حول هذا الأمر ودقّة معلوماته واسلوب مراوغته .
يتغير مجرى الحوار فجأة ، الا ان هذا التغير لهو مرتبط بعائلة درافيس أكثر من أسألته عنهم وعن اساميهم واعمارهم ، كيف ذلك ؟
يتكلم الكولونيل عن الحيوانات كرموز للنازين و اليهود ، فاختار الصقر لنفسه وللنازين لشهرته بالصيد والبحث ، والفئران لليهود لاشتهارهم آن ذاك بالهروب والإختباء ، تشبيه لأبعاد ذكية .
يبدأ يتحدث الكولونيل بسخرية حول نظرة الناس للفئران ، ويتسائل ما إن دخل فئر الى البيت ماذا سيفعل به ، بالتأكيد سيقابله بعداء .
الكولونيل في الحقيقة يخبره أنه يعلم أنه يخبئ العائلة اليهودية ، يعلم أنهم مختبئين تحت رجليه .
فلو اختصرنا وسطحنا الحوار لأصبح هكذا " انا اعلم انك محتجز اليهود تحتنا فاعترف ولا تتذاكى " .
ولكن اختار التلاعب ، اختار السخرية . فهو انسان يعشق التذاكي و استفزاز مشاعر الخوف في من امامه .
حتى ارغمه بهذه الطريقة بالإعتراف بدون أي مراوغة ومحاولة للكذب .
* الذي شاهد فيلم True Romance ، ويتذكر مشهد الصقلي ، سيدرك عبقرية تارانتينو في الكتابة الحوارية بهذا الأسلوب .
" اوروفوار ، شوشانا ! "
شوشانا هي الوحيدة التي استطاعت الهرب بعد اطلاق النار من قبل النازين على العائلة .
تركها الكولونيل بخبثه ، لأنه يتعامل مع فكرة صيد اليهود كلعبة ، إعجابه بهذا اللقب لأنه يشعره و كأنه رأس هذه اللعبة و عظيمها .
تهرب شوشانا راكضة بوسخها حافية و دماء اهلها المقتولين على لباسها و جسدها .
رغم هذا كلّه الا اننا عشنا صورة خلابة ، بذلك البيت الريفي الصغير ، والعشب الأخضر والأشجار المعمرّة .
انه هرب فتاة هاربة من الأساس ، لكنها الآن ستهرب من هويتها ايضاّ، ستهرب من حقيقتها .
ستهرب من ذنبها وهو أنها كانت يهودية ! .
" اوغاد مجهولون "
رحلتنا مع هؤلاء الأوغاد الأمريكان اليهود ، رحلة شديدة العنف والدموية .
فهم يلتقطون النازيين كي يعذبوهم و يقتلونهم وفي النهاية يقطعون فروات رؤوسهم ويحتفظون بها .
أتوا الى فرنسا لمحاربة الاحتلال النازي ، وفعل ما سبق ذكرناه بهؤلاء النازين " الإنتقام " .
الرقيب " وارنر "
يأمره الملازم الدو " براد بيت "بالقدوم إليه فيجلسه أمامه .
إن الأوغاد يتعاملون مع قانون محدد الا هو عدم حمل اسرى نازين ، اما قتلهم أو إخلاء سبيلهم .
يضع الملازم الدو امام الرقيب خريطة ويطلب منه اخباره بأماكن الدوريات النازية السرية ، عددهم واسلحتهم وما الى ذلك .
يرد الرقيب بسخرية المتفاخر " هل تتوقع مني أن أخبرك بالمعلومات التي ستعرض الألمان للخطر ؟"
فيصر الملازم على أن يخبره .
يرد الرقيب بطريقة مهذبة ، يضع يده على قلبه ، على الشعار والعلم النازي ، ويرفض ذلك .
ولكن يعطيه الملازم فرصة اخرى ، لكن هذه المرة يرد بوقاحة ويقول " تبا لك ولكلابك اليهود "
نجد ان الأوغاد كلهم فرحوا وضحكوا لذلك ، لأنهم يريدون رؤية الدب اليهودي يضربه بمضرب البيسبول .
إنه مع العذاب والرهبة التي يعيشونها لا شيء يريح قلبهم ويبعد هذه الرهبة و يسعدهم كضرب رقيب نازي واثق حتى الموت .
عندما نادى الملازم الدو الدب اليهودي لكي يتقدم ويضربه بمضربه .
قال بتملق على الرقيب " هناك الماني يريد الموت في سبيل وطنه "
أعتبر هذه الجملة أحد أهم الجمل في هذا الفيلم ،
هو يظن في قلبه ووجدانه أنه يضحي من أجل وطنه ، وهذا ما يُخدع به اكثر المواطنين والجنود في كثير من الحروب وقت اندلاعها .
انما هي حروب ليست للوطن ، بل هي حروب الحكومات المستبدة والكاذبة والتي تتلاعب بمواطنيها بفكرة الوطن و الوفاء
كي يسيروهم على ما يريدون ، يخيلون لهم المجد والخلود عن طريق المحاربة لهذه الحكومات و الرئاسات الإستغفالية .
هذا الكذب والتلاعب نراه يوميا في كل حرب وكل تصريح من رئيس و حاكم متسلّط وكاذب ويذهب ضحيتها المواطن العادي المهووس بمفهوم الوطنية .
إسقاط ذكي و عميق في هذا المشهد حقيقة .
من هي شوشانا الآن ؟
شوشانا وهروبها من هويتها الحقيقية ، هي الآن متنكرة بفتاة اسمها امانويل ميميا لديها سينما عرض ورثتها من خالتها .
و هذه الوظيفة لا تثير الشكوك بسبب اهتمام الفرنسيين بالسينما كثيرا ، وتقديسهم لصانعيها .
لكن آن القدر أن يربك تنكرّها ، و يجبرها على أن تعيد حساباتها . بعد أن يصافدها احد اهم الجنود النازيين فريدريك ريزل المفعم بالسينما وأحد عشاقها .
تكتشف شوشانا لاحقا في لقاء اخر انه قتل 250 يهوديا .
مازال فريدريك يحاول كسب حبّها جاهلا بكونها يهودية و تكره نازيته ، وزاد على ذلك علمها بإنجازه " ال 250 قتيل " .
يخبرها أنه صور فيلم سينمائي عن نفس انجازه ، لاحقا تأتي سيارة لتقلها من دار السينما الى احد المطاعم الفاخرة .
في المطعم فريدريك موجود ، و رئيسه المهتم كثيرا بفلم فريدريك وهو احد المهتمين بالسينما .
يقرران عرض الفيلم في دار عرض شوشانا رغبة من فريدريك ، وهي لا تستطيع الإعتراض بالتأكيد .
ظهور الكولونيل " صياد اليهود " كان أهم ما في هذا المشهد ، عندما جالسها لوحدها .
يحاورها وكأنه لا يعرفها ، حوار بسيط جدا عن دار السينما الخاصة بها وكيف سيأمنه بحيث وكّل هو بتأمين الدار .
في ظل هذا كله ، يطلب من النادل جلب لبن صافي لها ، ترجمة هذا الطلب " اني اعلم انك شوشانا " .
يا الهي كم هو لعوب و خبيث .
قد لا تكون الشخصية بذلك العمق بعكس شوشانا ، لكن كُتبت بشكل متقن ودقيق واختار لها تارانتينو من كان لها .
كمعلومة لكم ، كاد تارانتينو أن يلغي العمل لأنه قام باختبار كثير من الأشخاص فلم يجد من هو مناسب .
حتى بعد طول مدة جاء كريستوفر والتز كهدية قدرية له بعدما فقد الأمل وانظروا ماذا قدّم لهذه الشخصية .
في كل كلمة يقولها وكل نظرة وابتسامة وضحكة ورائها أشد مراتب الخبث فظاعة .
حصل في تلك السنة على أوسكار افضل ممثل في مهرجان كان ، و أفضل ممثل مساعد في الأوسكار .
- عملية كينو .
عملية تم تنظيمها من انجلترا تهدف الى تفجير دار العرض والتي سيعرض بها فيلم " فخر الأمة " عن النازي فريدريك الذي
قتل 250 يهوديا .
ترسل انجلترا أحد جنودها و احد المثقفين بسينما المانيا ، وأيضا لغته الألمانية ممتازة وهو الملازم "آرشي " (مايكل فاسبيندر) لفرنسا كي يرافق نجمة ذلك العهد "بريدجيت هامسمارك" بجانب اثنين اخرين من الالمان الاصلين الخائنين للنازية .
- في قبو المقهى.
كان اختيار بريدجيت لهذا المكان لندرة وجود المان فيه ، فبالعادة يكون كلهم فرنسيين .
لذلك هو افضل مكان ليجتمعوا فيه ويتفقوا على الخطة المطلوبة لتفجير دار العرض .
لكن شاء القدر أن يكون في هذا اليوم جنود نازيين يحتفلون فرحا بولادة ابن لأحدهم .
بعد ان اجتمعوا وحاولوا بدأ الحوار والتخطيط يخرج لهم لواء نازي من خلف المقهى .
كان يستمع اليهم منصتا ولا أحد يعلم وجوده في المقهى .
يجلس معهم اللواء متظاهرا أنه لا يشك في حقيقتهم ، فلهجة آرشي كانت مختلفة عن لهجة الألمان المعروفة .
ثم يبدأ مشهد القتل الجماعي والذي يعشقه تارانتينو و وجدانه في عدة افلام له بتصوير رائع كما عوّدنا ، أفضل هنا أن تعيدوا مشاهدة المشهد .
http://www.youtube.com/watch?v=vfiNVTPqWPY
المثير هنا أن عملية كينو ، لا تعلم بها شوشانا فهي خططت بنفسها لتنتقم وتنوي تنفيذها على طريقتها .
وكذلك الأوغاد لا يعلمون عن شوشانا أي شيء .
حقيقة قصة الأوغاد لا تهمني في هذه المقالة كما تهمني قصة شوشانا ،فإني أراها أهم شخصية في الفيلم وأهم مسار بها .
----
يوم شوشانا ، يوم ثورتها .. يوم الإنتقام .
نعم شوشانا الشابة البريئة قد دمّرتها هذه الحرب فأصبح لا يجول في رأسها سوى فكرة الإنتقام .
تريد الإستمتاع بمشاهدة محرقة للنازين كما استمتعوا بقتل عائلتها امام عينيها .
لاحظوا روعة الصورة هنا ، شوشانا والإنعكاس الصوري لها على العلم النازي .
دلالة على ثورتها الداخلية على النازية .
دلالة على تدمير هذا العلم والشعار لأحلامها وانسانيتها .
إن النازية وهتلر أصبحوا هوس شوشانا ، فلا تريد بحياتها الآن سوى ابادتهم .
فريدريك وشوشانا ، نازي ويهودية .
في ظروف اخرى كان من الممكن أن تتكون علاقة جميلة بينهم ، إلا أن الحرب و شناعته دمرّت كل هذا .
فتنعزل الأحاسيس الروحانية عن روح الإنسان ولا ينظر إليها ، لم ترى شوشانا الجانب الجميل من فريدريك ، فهي لا ترى فيه
سوى أنه نازي قبيح قاتل لأرواح طيبة .
يقول فريدرك عندما أتى اليها :
" لم يتبقى من الفيلم سوى مشاهد تفجيري للجيوش ، مما يجعل الباقي من الفيلم شيء لا أود مشاهدته "
الجانب الإنساني في فريدريك متواجد لكن النازية و استغلالها له قد أخفى هذا عن قلبه .
بعد أن أطلقت النار شوشانا على فريدريك ، شاهدت صورته في الفيلم و بدأت تظهر العاطفة .
العاطفة التي كانت شوشانا عنها عمياء ، فريدريك فعل الكثير من أجلها ولكنها لم تتنبه اليه الا بعد اطلاق النار أي بعد فوات الأوان .
----------
تلاعب في كتابة التاريخ ، فأنشأ لنا صورة غريبة ومتميزة ورائعة عن النازية واليهود .
لاحظنا في الفيلم تعبير صوري جميل في كثير من الأحيان وهذا ما تميز به تارانتينو هذه المرة .
أيضا الحوارات القوية جدا جدا ، كانت مكتوبة بشكل متقن ، مثيرة بشكل لا يوصف .
شخصية شوشانا كانت شخصية عميقة جدا وهي الأهم لذلك حاولت أن أركز عليها في المراجعة قدر الإمكان .
قد لا يكون الفيلم من أفضل أفلام الحرب لدى البعض ، الا أنه من أمتعها على الإطلاق ، كل مشهد له لذته الخاصة .
وشخصيا لا أمل من هذا الفيلم ابدا ، وافلام تارانتينو على العموم .
بل على النقيض ، جنود يموتون ، اطفال يشردون و تُنحر برائتهم ، عجائز يرون الموت قبل موعده .
قصص حب في أولها تدمّر، عائلة بسيطة جميلة تتشتّت ، انثى تندثر انوثتها ورقتها .
يبتدأ بنا تارانتينو الفيلم بالكريديت ، المهم هنا هي الموسيقى التي اختارها .
موسيقى هادئة جدا و رائعة تدفع بالمستمع الى انتظار ما سيحدث ، وعند نهايتها يطرح لنا اول جملة في الفيلم كله .
" في زمن مضى ، النازين احتلوا فرنسا .."
جملة نبدأ معها الفيلم تشعرك بهول الفكرة وجبروت النازيين ، بينما لطالما كانت بسيطة عند قرائتها في الكتب او المقالات .
يدخل صيّاد اليهود بهدوء على هذه العائلة الصغيرة وكأنه حمل وديع جاء للزيارة مما يثير قلق صاحب البيت (بيرييه ) أكثر .
فهدوءه وثقته تدل على فطنته ومعرفته بما يحدث حوله ، ولكن قلب بيرييه يصلّي ويتمنى عدم عرفته .
عدم معرفته بأن هناك عائلة يهودية كاملة مختبئة تحت أرجلهم ، تحت اللوح الخشبي للأرضية .
يبدأ الكولونيل جلسته بطلب لبن من البان مزرعتهم اللذيذ بشغف ، كما لو أن هذا هو سبب قدومه .
يبدأ حوارهم بسلاسة وهدوء مخيف ، يستفسر ما يعلم بيرييه عن العائلة اليهودية عائلة درافيس وهي العائلة الوحيدة التي
لم يجدوا لها اثر ولم يعلموا خبرا يقينا عنها .
يحاول بيرييه المرواغه بتعلل بسماع اشاعات فقط ،ويرد عليه الكولونيل :
" انا احب الإشاعات .. الحقائق قد تكون خاطئة ، أما الإشاعات فهي تحتمل الخطا والصواب ، هي دوما تكشف الحقائق "
الرد مربك لبيرييه ، حاول الهرب منه ولكنه توجه الى طريق هو ما يريده الكولونيل أن يذهب اليه .
يرد بيرييه : بأن الاشاعات تقول بهربهم لإسبانيا .
يتسائل الكولونيل عن افراد العائلة ويسأله عنه اساميهم واعمارهم ويدوّنها . هل هو حقا لا يعرف ؟
انها طريقة اخرى لدراسة ردوده حول هذا الأمر ودقّة معلوماته واسلوب مراوغته .
يتغير مجرى الحوار فجأة ، الا ان هذا التغير لهو مرتبط بعائلة درافيس أكثر من أسألته عنهم وعن اساميهم واعمارهم ، كيف ذلك ؟
يتكلم الكولونيل عن الحيوانات كرموز للنازين و اليهود ، فاختار الصقر لنفسه وللنازين لشهرته بالصيد والبحث ، والفئران لليهود لاشتهارهم آن ذاك بالهروب والإختباء ، تشبيه لأبعاد ذكية .
يبدأ يتحدث الكولونيل بسخرية حول نظرة الناس للفئران ، ويتسائل ما إن دخل فئر الى البيت ماذا سيفعل به ، بالتأكيد سيقابله بعداء .
الكولونيل في الحقيقة يخبره أنه يعلم أنه يخبئ العائلة اليهودية ، يعلم أنهم مختبئين تحت رجليه .
فلو اختصرنا وسطحنا الحوار لأصبح هكذا " انا اعلم انك محتجز اليهود تحتنا فاعترف ولا تتذاكى " .
ولكن اختار التلاعب ، اختار السخرية . فهو انسان يعشق التذاكي و استفزاز مشاعر الخوف في من امامه .
حتى ارغمه بهذه الطريقة بالإعتراف بدون أي مراوغة ومحاولة للكذب .
* الذي شاهد فيلم True Romance ، ويتذكر مشهد الصقلي ، سيدرك عبقرية تارانتينو في الكتابة الحوارية بهذا الأسلوب .
" اوروفوار ، شوشانا ! "
شوشانا هي الوحيدة التي استطاعت الهرب بعد اطلاق النار من قبل النازين على العائلة .
تركها الكولونيل بخبثه ، لأنه يتعامل مع فكرة صيد اليهود كلعبة ، إعجابه بهذا اللقب لأنه يشعره و كأنه رأس هذه اللعبة و عظيمها .
تهرب شوشانا راكضة بوسخها حافية و دماء اهلها المقتولين على لباسها و جسدها .
رغم هذا كلّه الا اننا عشنا صورة خلابة ، بذلك البيت الريفي الصغير ، والعشب الأخضر والأشجار المعمرّة .
انه هرب فتاة هاربة من الأساس ، لكنها الآن ستهرب من هويتها ايضاّ، ستهرب من حقيقتها .
ستهرب من ذنبها وهو أنها كانت يهودية ! .
" اوغاد مجهولون "
رحلتنا مع هؤلاء الأوغاد الأمريكان اليهود ، رحلة شديدة العنف والدموية .
فهم يلتقطون النازيين كي يعذبوهم و يقتلونهم وفي النهاية يقطعون فروات رؤوسهم ويحتفظون بها .
أتوا الى فرنسا لمحاربة الاحتلال النازي ، وفعل ما سبق ذكرناه بهؤلاء النازين " الإنتقام " .
الرقيب " وارنر "
يأمره الملازم الدو " براد بيت "بالقدوم إليه فيجلسه أمامه .
إن الأوغاد يتعاملون مع قانون محدد الا هو عدم حمل اسرى نازين ، اما قتلهم أو إخلاء سبيلهم .
يضع الملازم الدو امام الرقيب خريطة ويطلب منه اخباره بأماكن الدوريات النازية السرية ، عددهم واسلحتهم وما الى ذلك .
يرد الرقيب بسخرية المتفاخر " هل تتوقع مني أن أخبرك بالمعلومات التي ستعرض الألمان للخطر ؟"
فيصر الملازم على أن يخبره .
يرد الرقيب بطريقة مهذبة ، يضع يده على قلبه ، على الشعار والعلم النازي ، ويرفض ذلك .
ولكن يعطيه الملازم فرصة اخرى ، لكن هذه المرة يرد بوقاحة ويقول " تبا لك ولكلابك اليهود "
نجد ان الأوغاد كلهم فرحوا وضحكوا لذلك ، لأنهم يريدون رؤية الدب اليهودي يضربه بمضرب البيسبول .
إنه مع العذاب والرهبة التي يعيشونها لا شيء يريح قلبهم ويبعد هذه الرهبة و يسعدهم كضرب رقيب نازي واثق حتى الموت .
عندما نادى الملازم الدو الدب اليهودي لكي يتقدم ويضربه بمضربه .
قال بتملق على الرقيب " هناك الماني يريد الموت في سبيل وطنه "
أعتبر هذه الجملة أحد أهم الجمل في هذا الفيلم ،
هو يظن في قلبه ووجدانه أنه يضحي من أجل وطنه ، وهذا ما يُخدع به اكثر المواطنين والجنود في كثير من الحروب وقت اندلاعها .
انما هي حروب ليست للوطن ، بل هي حروب الحكومات المستبدة والكاذبة والتي تتلاعب بمواطنيها بفكرة الوطن و الوفاء
كي يسيروهم على ما يريدون ، يخيلون لهم المجد والخلود عن طريق المحاربة لهذه الحكومات و الرئاسات الإستغفالية .
هذا الكذب والتلاعب نراه يوميا في كل حرب وكل تصريح من رئيس و حاكم متسلّط وكاذب ويذهب ضحيتها المواطن العادي المهووس بمفهوم الوطنية .
إسقاط ذكي و عميق في هذا المشهد حقيقة .
من هي شوشانا الآن ؟
شوشانا وهروبها من هويتها الحقيقية ، هي الآن متنكرة بفتاة اسمها امانويل ميميا لديها سينما عرض ورثتها من خالتها .
و هذه الوظيفة لا تثير الشكوك بسبب اهتمام الفرنسيين بالسينما كثيرا ، وتقديسهم لصانعيها .
لكن آن القدر أن يربك تنكرّها ، و يجبرها على أن تعيد حساباتها . بعد أن يصافدها احد اهم الجنود النازيين فريدريك ريزل المفعم بالسينما وأحد عشاقها .
تكتشف شوشانا لاحقا في لقاء اخر انه قتل 250 يهوديا .
مازال فريدريك يحاول كسب حبّها جاهلا بكونها يهودية و تكره نازيته ، وزاد على ذلك علمها بإنجازه " ال 250 قتيل " .
يخبرها أنه صور فيلم سينمائي عن نفس انجازه ، لاحقا تأتي سيارة لتقلها من دار السينما الى احد المطاعم الفاخرة .
في المطعم فريدريك موجود ، و رئيسه المهتم كثيرا بفلم فريدريك وهو احد المهتمين بالسينما .
يقرران عرض الفيلم في دار عرض شوشانا رغبة من فريدريك ، وهي لا تستطيع الإعتراض بالتأكيد .
ظهور الكولونيل " صياد اليهود " كان أهم ما في هذا المشهد ، عندما جالسها لوحدها .
يحاورها وكأنه لا يعرفها ، حوار بسيط جدا عن دار السينما الخاصة بها وكيف سيأمنه بحيث وكّل هو بتأمين الدار .
في ظل هذا كله ، يطلب من النادل جلب لبن صافي لها ، ترجمة هذا الطلب " اني اعلم انك شوشانا " .
يا الهي كم هو لعوب و خبيث .
قد لا تكون الشخصية بذلك العمق بعكس شوشانا ، لكن كُتبت بشكل متقن ودقيق واختار لها تارانتينو من كان لها .
كمعلومة لكم ، كاد تارانتينو أن يلغي العمل لأنه قام باختبار كثير من الأشخاص فلم يجد من هو مناسب .
حتى بعد طول مدة جاء كريستوفر والتز كهدية قدرية له بعدما فقد الأمل وانظروا ماذا قدّم لهذه الشخصية .
في كل كلمة يقولها وكل نظرة وابتسامة وضحكة ورائها أشد مراتب الخبث فظاعة .
حصل في تلك السنة على أوسكار افضل ممثل في مهرجان كان ، و أفضل ممثل مساعد في الأوسكار .
- عملية كينو .
عملية تم تنظيمها من انجلترا تهدف الى تفجير دار العرض والتي سيعرض بها فيلم " فخر الأمة " عن النازي فريدريك الذي
قتل 250 يهوديا .
ترسل انجلترا أحد جنودها و احد المثقفين بسينما المانيا ، وأيضا لغته الألمانية ممتازة وهو الملازم "آرشي " (مايكل فاسبيندر) لفرنسا كي يرافق نجمة ذلك العهد "بريدجيت هامسمارك" بجانب اثنين اخرين من الالمان الاصلين الخائنين للنازية .
- في قبو المقهى.
كان اختيار بريدجيت لهذا المكان لندرة وجود المان فيه ، فبالعادة يكون كلهم فرنسيين .
لذلك هو افضل مكان ليجتمعوا فيه ويتفقوا على الخطة المطلوبة لتفجير دار العرض .
لكن شاء القدر أن يكون في هذا اليوم جنود نازيين يحتفلون فرحا بولادة ابن لأحدهم .
بعد ان اجتمعوا وحاولوا بدأ الحوار والتخطيط يخرج لهم لواء نازي من خلف المقهى .
كان يستمع اليهم منصتا ولا أحد يعلم وجوده في المقهى .
يجلس معهم اللواء متظاهرا أنه لا يشك في حقيقتهم ، فلهجة آرشي كانت مختلفة عن لهجة الألمان المعروفة .
ثم يبدأ مشهد القتل الجماعي والذي يعشقه تارانتينو و وجدانه في عدة افلام له بتصوير رائع كما عوّدنا ، أفضل هنا أن تعيدوا مشاهدة المشهد .
http://www.youtube.com/watch?v=vfiNVTPqWPY
المثير هنا أن عملية كينو ، لا تعلم بها شوشانا فهي خططت بنفسها لتنتقم وتنوي تنفيذها على طريقتها .
وكذلك الأوغاد لا يعلمون عن شوشانا أي شيء .
حقيقة قصة الأوغاد لا تهمني في هذه المقالة كما تهمني قصة شوشانا ،فإني أراها أهم شخصية في الفيلم وأهم مسار بها .
----
يوم شوشانا ، يوم ثورتها .. يوم الإنتقام .
نعم شوشانا الشابة البريئة قد دمّرتها هذه الحرب فأصبح لا يجول في رأسها سوى فكرة الإنتقام .
تريد الإستمتاع بمشاهدة محرقة للنازين كما استمتعوا بقتل عائلتها امام عينيها .
لاحظوا روعة الصورة هنا ، شوشانا والإنعكاس الصوري لها على العلم النازي .
دلالة على ثورتها الداخلية على النازية .
دلالة على تدمير هذا العلم والشعار لأحلامها وانسانيتها .
إن النازية وهتلر أصبحوا هوس شوشانا ، فلا تريد بحياتها الآن سوى ابادتهم .
فريدريك وشوشانا ، نازي ويهودية .
في ظروف اخرى كان من الممكن أن تتكون علاقة جميلة بينهم ، إلا أن الحرب و شناعته دمرّت كل هذا .
فتنعزل الأحاسيس الروحانية عن روح الإنسان ولا ينظر إليها ، لم ترى شوشانا الجانب الجميل من فريدريك ، فهي لا ترى فيه
سوى أنه نازي قبيح قاتل لأرواح طيبة .
يقول فريدرك عندما أتى اليها :
" لم يتبقى من الفيلم سوى مشاهد تفجيري للجيوش ، مما يجعل الباقي من الفيلم شيء لا أود مشاهدته "
الجانب الإنساني في فريدريك متواجد لكن النازية و استغلالها له قد أخفى هذا عن قلبه .
بعد أن أطلقت النار شوشانا على فريدريك ، شاهدت صورته في الفيلم و بدأت تظهر العاطفة .
العاطفة التي كانت شوشانا عنها عمياء ، فريدريك فعل الكثير من أجلها ولكنها لم تتنبه اليه الا بعد اطلاق النار أي بعد فوات الأوان .
----------
تلاعب في كتابة التاريخ ، فأنشأ لنا صورة غريبة ومتميزة ورائعة عن النازية واليهود .
لاحظنا في الفيلم تعبير صوري جميل في كثير من الأحيان وهذا ما تميز به تارانتينو هذه المرة .
أيضا الحوارات القوية جدا جدا ، كانت مكتوبة بشكل متقن ، مثيرة بشكل لا يوصف .
شخصية شوشانا كانت شخصية عميقة جدا وهي الأهم لذلك حاولت أن أركز عليها في المراجعة قدر الإمكان .
قد لا يكون الفيلم من أفضل أفلام الحرب لدى البعض ، الا أنه من أمتعها على الإطلاق ، كل مشهد له لذته الخاصة .
وشخصيا لا أمل من هذا الفيلم ابدا ، وافلام تارانتينو على العموم .