الخطايا هي طبيعة بشرية نقترفها و لكل امرؤ خطيئته التي لطالما يتمنى العودة بالزمن كي يمتنع عن اقترافها .
هكذا نحن البشر ، حتى ونحن نعلم عواقب هذا الفعل ، نصر على القيام به ثم نندم على ذلك .
انه الانجراف نحو الغرائز بتجاهل العقل و الواقع و العواقب .
اندريش هنا وصل الى نقطة لا يرى رغبة في العيش ، اصبح المحيط بلا حياة ، كئيبا ذا سوداوية قاتلة .
امتلأ بمشاعر الوحدة ، تكونت في عقله فكرة مخيفة بعد ترك حبيبته ايسلين له وهي أن لا احد يحتاجه في هذا العالم، اذا ما الغرض من وجوده !
حاول الانتحار ولكن لم يستطع ، انعش هذا المشهد ذاكرتي بمشهد جولييت بينوتشي في دورها بتحفة كيسلوفسكي اللون الازرق عندما حاولت الانتحار ولكنها لم تستطع ، الرابط والاسباب متشابهة .
اندريش تعالج من مرضه وقارب على الانتهاء من برنامجه الخاص لعلاج ادمانه .
ما يهمه الان ، هل يستقبله المجتمع هل سيغفر له ما فعله ؟ هل سيتركون ماضيه وينظرون الى حاضره ومستقبله ؟
انها مشكلة اجتماعية عويصة ، عدم المغفرة للأشخاص ظنا انهم لن يتغيروا حتى بعد ندمهم وتركهم لهذا الفعل .
او انها صورة تعلق لهذا الشخص ، فمهما فعل من خير و تحسن فالصورة العالقة هي الصورة المشوهة و السلبية له .
ان هذه الأسرة الصغيرة الجميلة ، هو كل ما تمناه اندريش في حياته .
يتمنى العيش مع ايسلين ( حبيبته السابقة ) ، ان يتزوجها ويكوّن اسرة و يعيش حياة بسيطة هادئة و سعيدة .
يتفاجأ اندريش عندما حادث صديقه ثوماس انهم في الحقيقة ليسوا مرتاحين ولا سعيدين .
بل العكس تماما ، فهم بالكاد يجلسان سويا ، بالكاد يتحدثان بانفراد محادثة صغيرة .
ثوماس مشغول بعمله ومشغول بالاطفال وكذلك زوجته .
اندريش وهو يسمع لهذا الكلام ، تقلّص امله بأن يعيش تلك الحياة التي يريدها .
كان يبحث عن ما يعزّز له ذلك في حياة صديقه ولكن حدث له العكس .
--
بعد ذهاب اندريش الى احد المجلات المرسل اليها لمقابلة عمل ، يتفاجأ المحرر بذكاء اندريش وثقافته حول هذا العمل .
لكن المشكلة في سيرته الذاتية هو عدم وجود اي معلومات منذ 2005 وحتى مقابلته .
يحاول اندريش المراوغة واخفاء السبب ، ولكن في النهاية اخبره بأنه كان مدمنا للمخدرات .
" ولكنني نظيف الان ، لم اشرب البيرة حتى منذ 10 اشهر "
لم يغير كلام اندريش من نظرة المحرر له فقد ارتبك وحاول مجاملته ، ولكن واضح من تلعثمه بالكلام انه قد علقت في ذهنه حقيقته السابقة ك مدمن مخدرات .
نحن هكذا لا نغفر الخطايا و نتغاضى عنها ، و نتجاهل الحسن و تتمسك اذهاننا بالسيء .
يأخذ اندريش ملفه حزينا وغاضبا مما يحدث له ويترك المقابلة .
إن مشهد المقهى واحد من اعمق واجمل المشاهد هذه السنة .
نجده يستمع الى حديث النساء المتزوجات مع اولادهن ، وهذا الحديث يستفز امل المستقبل الطفيف و الحاضر الأسود الحزين .
يستمع الى احلام الناس من حوله ، قصص الحب والعلاقات ، يجد انعكاسها على ماضيه وحاضره ومستقبله .
متعب هذا الأمر لأي انسان مجروح وموجوع في داخله .
ومازال اندريش متأملا من ايسلين ان تتصل به و يستمع الى صوتها ولو لثواني ولكن ما من مجيب له .
--------------
ان اندريش رغم جزمه بأن العالم ليس جميلا ، كان يصدق بوجود ولو قليل من الوفاء و المحبة من اقرب الناس اليه .
اخته امتنعت عن رؤيته متعللة بعدم جاهزيتها لاستقباله ، ايسلين حبيبته تتجاهله ولا ترد على اي من مكالماته .
حاول ان يتعامل مع امرأة اخرى لكن لم يستطع رغم جمالها و خفتها و لطفها معه ، فعقله وقلبه معلق بايسلين لا غير .
في بدايتنا معه حاول الانتحار ولكنه لم يستطع ، لأن املا بصيصا مازال موجودا في داخله .
لكن بعدما شهده في محاولته للاتصال الاجتماعي مع الناس ، من يعرف ولا يعرف .
بعدما حاول التواصل مع حبيبته ولو باتصال واحد ، تجاهلته رغم العشرة والحب الذي كان بينهما .
ذلك الامل البصيص الذي اعانه على المضي ومحاولة العيش ، قد تلاشى .
فنجده في النهاية يأخذ جرعة زائدة كي يرتاح من تلك الحياة المؤلمة .
-------------------------------------
جودة الصورة في هذا الفيلم خلابة ، وهناك صور معبرة و عميقة للغاية .
ما فعله المخرج حقيقة جميل جدا ، فقد عشنا حياة مدمن يتعافى بأدق التفاصيل فيه وفي من حوله .
الدور الذي قام به اندريش يحتاج قدرة متميزة بالتمثيل و كان بالفعل لها.
قام بالدور بأجمل حلّة ، ففي كل نظرة و تعبير يخبرنا بشيء في داخله دون الحاجة الى الكلمات .
البداية كانت رحلة لطيفة يصوّر لنا المخرج الجمال البسيط لتلك المدينة الصغيرة اوسلو .
اما في النهاية فلمن لم يلحظ فهي الأماكن التي تواجد فيها اندريش خلال رحلتنا معه في الفيلم .
جميل ما قام به فعلا ، و ننتظر منه افلاما مستقبلية تحمل رؤوية انسانية ملهمة كهذا .
8.5/10 .
تقرير ممتاز ..
ردحذفهالفيلم بنظري اشوفه افضل فيلم حربي بالتاريخ ..
وراح اكتب عنه مراجعه شامله قريبا ..
تحياتي لك ،،